من يرحم صغيرنا

في يوم اشتريتُ بعض الملصقات لأبطال الصور المتحركة وأهديتها لابنة أختي آلاء. فسُرَّت بها أيما سرور. لكن ما إن وقعت بين يديها حتى جاءتها أختي الصغرى وأخذت منها ملصقا لتُزين به هاتفها الجوال. فما كان من آلاء إلا أن انفجرت بالبكاء. وحُقَّ لها ذلك، فقد أُخذ منها شيء عنوة، وهي بلا حول ولا قوة.

أما أختي، فتعجَبَتْ من سلوكها وانتهَرَتها بحُجة أنه مازال عندها عشرات الملصقات الجميلة فعَلاَمَ كل هذا الجزع؟ “أنا دائما أفتح لك باب غرفتي وأضع جميع أشيائي بين يديك تلعبين بها وتُجَربينها وأنت تبخلين علي بملصق تافه؟ لن أرجعه لك!”

عجبتُ لأختي كيف تُكلم آلاء بتلك الطريقة وكأنها ند لها! حتى إني حسبتها تُمازحها في البداية ثم ستُرجع لها ملصقها. إلا أنها لم تكن تمزح إطلاقا بل كانت في غاية الجدية، حتى إنها أصرت على موقفها رغم بكاء آلاء واستنجادها بنا. مسكينة صغيرتي!

قالت لي أختي: يجب أن نعلمها المشاركة، لماذا تنفرد بكل شيء لنفسها؟ ثم إنها كانت مشاغبة اليوم وتستحق العقاب.

قلت: لا تزر وازرة وزر أخرى. أعلم جيدا أفاعيلها لكنك في هذا الموقف ظلمتِها واستغليتِ صغر سنها وضعفها لتسلبيها حاجتها ونفسها كارهة. لمَ العجلة؟ هي مازالت لم تفرح بالهدية وأنت أخذت جزءا منها. ستحس بأن هديتها ناقصة. كان عليك أن تدعي لها الفرصة لتتمتع بها ثم إن شاءت أعطتك ما أردتِ وأنا واثقة أنها لن تبخل عليك به.

قالت: حسن ما قلت ولكنها تبالغ في الدلال.

قلت: عزيزتي لا تنسي أن آلاء على حداثة سنها إلا أنها إنسانة ولها كيان وكرامة وهي غدا ستكبر إن شاء الله وتصير في مثل سنك. أليس حريا بنا إذن أن نعاملها كإنسان بالغ عاقل وأن نحترم شخصيتها؟ هي ليست دمية، هي قلب يَنبض وعقل يُميز وذكاء يَتدفق وشخصية تُصقَل. صحيح أنها في الرابعة من عمرها إلا أنها إنسانة ولا يجوز أن نغتصب منها شيئا بدون رضاها. هذا ظلم! ثم أي نوع من الدروس سنلقنها؟ أن القوي يأكل الضعيف؟ ألم تسمعي حديث رسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام عندما خطب في حجة الوداع فكان مما قال :

ألا إن المسلم أخو المسلم فليس يحل لمسلم من أخيه شيء إلا ما أحل من نفسه

والله قد عجبتُ من هذا الحديث حين قرأته، قلت سبحان الله ديننا الحنيف لم يترك صغيرة ولا كبيرة من حياتنا إلا خاض فيها. فهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يوصينا بأن لا نظلم بعضنا البعض ولو قيد أنملة وهذا الرب العظيم لم يَدَع سببا من أسباب التباغض والتشاحن والشقاق والنفاق إلا وألغاه ولم يَذَر شِقّا ولو صغيرا للحيف إلا سدَّه! والله هذا الحديث وحده يجدد الإيمان!

ولا تبخسوا الناس أَشياءهم

(هود ٨٥)(الأعراف ٨٥)(الشعراء ١٨٣)

نحن لسنا بملائكة لا سيما في مجتمعاتنا العصرية، مجتمعات جرفتها العالمية الهوجاء والليبرالية العمياء والاستهلاكية المفرطة. فصرنا نقدس الأشياء ونتعلق بها تعلق الغريق بخشبة النجاة. صرنا نتشبث بالأشياء عوضا عن الأشخاص، عوضا عن رب الناس. وكم سمعنا عن جرائم مروعة تحدث بسبب خلاف على متاع الحياة الدنيا الزائل، كم من جريمة قتل بسبب هاتف جوال أو حتى بسبب دينار!! ولأن ديننا لا ينتظر وقوع المصيبة ليُعاَلِجَها بل يُعاجِلُهَا بمنع أسبابها ويبتدئها بتعطيل وجودها من الأساس، فقد عَلَّمَنَا أن لا نأخذ شيئا من أحد إلا عن طيب خاطر. ونحن نعلم جيدا متى يكون إعطاء الشيء عن طيب خاطر ومتى يكون حياءا أو نفاقا أو غفلة. اللهم نعوذ بك أن نأخذ شيئا لإخواننا عنوة. اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك. وآخر دعوانا أن الحمد لله… الحمد لله على دين الإسلام وكفى به نعمة.

آه نسيت أن أخبركم عن بقية القصة… أو ربما لا حاجة لنا في ذلك، أنتم تعرفونها.

image

فكرتان اثنتان على ”من يرحم صغيرنا

أضف تعليق